بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم النثر العربي عند العرب القدامى
إن من يتصفح أهم كتب
النقد والبلاغة العربية يفاجأ بظاهرة غريبة وهي قلة عناية النقاد القدامى
بالنثر، في حين أنهم أمعنوا في بحث الشعر من جميع نواحيه تفصيلا وتدقيقا
على حد الإفراط أحيانا، فقد تحدثوا عن النثر لاباعتباره فنا قائما بذاته
بل تحدثوا عنه كجزء من البلاغة أو البيان حديثا يتسم بالإبهام خاليا من
التخصيص أو التحديد
ولعلمن
مظاهر هذا الإهمال أننا لا نجد تعريفا صحيحا للنثر قد استوفى ما يشترط في
كل تعريف صالح من دقة وإحاطة واستقصاء ، في حين أن الشعر قد حظي بتعريفاتلا بأس بها تتسم بالضبط والإحكام، أما النثر فـما ورد في حقه من تعريفات لا تتعدى التقسيم والتصنيف، فهو باعتبار الشكل ينقسم إلىخطب ورسائل، وباعتبار اللفظ يتفرع إلى نثر مرسل ومزدوج وسجع.
منأقوال الكتّاب القدامى حول النثر
•يقول ابن وهب: (واعلم أن الشعر أبلغ البلاغة...)
البرهان في وجوه البيان،ص350.
ويقول الكاتب المفكر مسكويه:
( فكذلك النظم والنثر يشتركان في الكلام الذي هو جنس لهما، ثم ينفصل النظم
عن النثر بفضل الوزن الذي به صار المنظوم منظوما. ولما كان الوزن حلية
زائدة وصور فاضلة على النثر صار الشعر أفضل من النثر من جهة الوزن. فإن
اعتبرت المعاني كانت المعاني مشتركة بين النظم والنثر. وليس من هذه الجهة
تميز أحدهما من الآخر...)
الهوامل والشوامل، ص 275
تعليــق:
هذه النظرة الجزئية للنثر كما رأيناها في
الأقوال السابقة تؤكد موقف النقاد القدامى السلبي من النثر فهي نظرة جزئية
انصرفت على الشكل دون اللُب، إلى الصورة دون الحقيقة والمعنى وهي التي
حالت دون التبلور التام لمفهوم النثر الفني عند القدامى.
حتى أن الكتّاب العرب من مفكرين وفلاسفة
وقصّاصين ونقاد كانوا يمارسون النثر الفني دون وعي واضح دقيق لمزيّة الفن
المتوفرة في كتاباتهم ودون أن يُعترف بفضلهم.
:
الجاحظوموقفه من النثر:
• يقول الجاحظ وقد نُقلت كتب
الهند،وتُرجمت حكم اليونانية، وحُولت آداب الفرس، فبعضها ازداد حسنا،
وبعضها ما انتقص شيئا؛ ولو حُوّلت حكمة العرب لم يجدوا في معانيها شيئا لم
تذكره العجم في كتبهم التي وضعت لمعاشهم وحكمهم،ولبطل ذلك المعجز، وقد
نقلت هذه الكتب من أمة إلى أمة ، ومن قرن إلى قرن، ومن لسان إلى لسان حتى
انتهت إلينا، وكنا آخر من ورثها ونظر فيها، فقد صح أن الكتب ( أي كتب
النثر) أبلغ في تقييد المآثر من الشعر.)
الحيوان، ج1، ص75
أبو حيان وموقفه من النثر:
•يقول أبو حيان : ( وأحسن الكلام ما رق لفظه ولطف معناه... وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم)
•ويقول أيضا: (
إذا نظر في النظم والنثر على استيعاب أحوالهما وشرائطهما .. كان أن
المنظوم فيه نثر من وجه، والمنثور فيه نظم من وجه، ولولا أنهما يستهمان
هذا النعت لما ائتلفا ولا اختلفا)
• أبو حيان يُعد أول من اهتدى إلى حقيقة النثر الفني وحلل مقوماته الجوهرية تحليلا يتصف ، على إيجازه، بالدقة والعمق.
كذلك بيّن أهمية كل من عنصري العقل
والموسيقى في النثر الفني، ومن رأي التوحيدي أن الشعر لا يختص وحده
بالموسيقى والخيال، بل هما قدر مشترك بين الشعر والنثر الفني ، والفرق بين
النوعين من الكلام نسبي أما الجوهر فواحد.
الإمتاع والمؤانسة ، ج2،ص145، ص135
إحياء النثـــــر
بلغ النثر في أخريات العصر العثماني
الغاية في الركاكة والضعف، فكانت عباراته سقيمة، مقيدة بقيود ثقيلة من
الحلي والزخارف المصطنعة المتكلفة، لتخفي ما وراءها من معنى مرذول، وفكرة
تافهة ضحلة، وكثيرا ما كانت تغلب العامية والكلمات التركية على كتابات
الكتاب، فيأتي الكلام أشبه بالرموز والأحاجي.
ومن كان من الكُتّاب على قدر يسير من
اللغة، نهج أسلوب المقامات في كتاباته فالتزم السجع في كل ما يصطنع من
كتابة، بل منهم من كان يتلاعب بالألفاظ والتحريف ، وقد أورد الجبرتي أمثلة
عديدة في كتابه ( عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، سنسوق منها نموذجين.
1- المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله الإدكاوي،الذي أهدى منها نسخة للشيخ عبد الله التلباني فرد عليه بما نصه:(عبد
الله عند الله وجيه، وحبه محتم مخيم بقلوبنا تعلو بنا سماته، سما به عمله
عم له التواب والثواب،ولا حرمنا ولاء حرمنا الأبهج الأنهج...)
ونحن نرى هنا هذا الطائل من الكلمات العبثية التي تؤكد ما وصلت إليه اللغة من الضعف والركاكة.
2- قال مصطفى الدمياطي: ( حكى البديع بشير بن سعيد قال: حدثني الربيع بن رشيد قال: هاجت
لي دواعي الأشواق العذرية، وعاجت بي لوا عج الأتواق الفكرية، على ورود حمى
مصر المعزية البديعة؛ ذات المشاهد الحسنة والمعاهد الرفيعة؛ لأشرح بمتن
حديثها الحسن صدري، وأروح بحواشي نيلها الجاري روحي وسري، وأقتبس نور
مصباح الطرف من ظرفائها؛ واقتطف نور أرواح الظرف من لطفائها، وأستجلي
عرائس بدائع معاني العلوم، على منصات الفكر محلاة بالمنثور والمنظوم،
واستمد من حماتها السادة أسرار العناية، واسترشد بسراتها القادة أنوار
الهداية...)
نلمح كلاما متكلفا مصنوعا، لا يفضي إلى غاية ولا ينبئ عن فكرة سليمة وإنما هو لإظهار البراعة في اقتناص السجعات، وإيراد المحسنات.
ومن الذين اشتهروا بالأدب في دمشق قبيل النهضة محمد خليل الدمشقي يقول في رسالة كتبها إلى صديق له بمصر:
(أهدي
السلام العاطر الذي هو كنفح الروض باكره السحاب الماطر، والتحايا المتأرجة
النفحات الساطعة اللمحات، الشامخة الشميم، الناشئة من خالص صميم، وأبدي
الشوق الكامن وأبثه، وأسوق ركب الغرام وأحثه، إلى الحضرة التي هي مهب
نسائم العرفان والتحقيق، ومصب مزن الإتقان والتدقيق. ومطلع شمس الإفادة
والتحرير، ومنبع مياه البلاغة والتقرير...)
وإذا كانت لهذه العبارات قوة بعض الشيء ، إلا أننا نجد فيها تقليد وافتعال وتكلف ، والمعنى ضحلا سخيفا.
وقد نرى بعض الكتاب يجاهدون مجاهدة مريرة للتخلص من السجع وقيود البديع مثل:
عبد الرحمن الجبرتي ،
ولكنه أيضا لا يستطيع التخلص من بعض العبارات الممزوجة من العربية
والتركية ، فإن سلمت له بعض العبارات ، نرى البعض الآخر منها يتعثر .
من ذلك على سبيل المثال:
قال مشيدا بما قام به علي بك الكبير من منشآت:
( ومن
إنشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطئ النيل ببولاق حيث دكّك
الحطب تحت ربع الخرنوب، وهي عبارة عن قيسارية عظيمة ببابين يسلك منها ما
يجري إلى قبلي وبالعكس، وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه
حوانيت وشونة غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط ، فحفروا أساس جميع هذه
المارة حتى بلغوا الماء، ثم بنوا خنازير مثل المنارات من الأحجار والدبش
والمؤن، وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الأرض الصحيحة)
هذا ما وصلت إليه اللغة والكتابة في أخريات العصر العثماني وبداية العصر الحديث:
1- تهافت في العبارة.
2- ركاكة في الأسلوب.
3- استعجام في الألفاظ.
4- عامية فاشية.
5- ضحالة في المعاني.
6- قيود ثقيلة من السجع والمحسنات البديعية.
ومن هنا يتضح لنا أن الشوط الذي قطعته
الكتابة منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى اليوم ، لم يكن سهلا هينا،
والتخلص من العقبات في الكتابة واللغة لم يكن ميسرا .
عصر النهضــة
يعتبر مطلع القرن التاسع عشر
بداية عصر النهضة كما هو متعارف عليه تاريخيا، ذلك أن الاحتكاك بالحضارة
الغربية بدا في هذا الوقت حادا متميزا ، أسفر هذا الاحتكاك عن انتشار
مدارس الإرساليات الدينية التي أمّت سواحل الشام ومدنه، وانتشرت في قرى
جبل لبنان، وتنافست في اجتذاب الناس إليها بشتّى الطرق، وفي تلك الأثناء
كانت الحملة الفرنسية على مصر قد انتهت في السنة الأولى من القرن التاسع
عشر بجلائها ، وعلى الرغم من قصر المدة التي أقامتها الحملة الفرنسية ،
وعلى الرغم من آثارها السلبية على البلاد إلا أنها كان لها وجها حضاريا لا
يُنكر تمثّل في منجزات كثيرة نجد صورتها في الكتب التي أرّخت لها ، منها
على سبيل المثال كتاب:عجائب الآثار في التراجم والأخبار " للجبرتي".
وما نود الإشارة
إليه أنه كانت هناك أسباب كثيرة كان لها أثرها في النهضة واليقظة، ولكن
كلها تتفرع عن هذا الأصل ، وهو الاتصال بالحضارة الغربية وثقافتها
ومؤسساتها .
ولنتتبع معا هذه العوامل الأساسية الفاعلة في النهضة:
(1) أسفر الاتصال بالحضارة الغربية عن ردود أفعال منها ، التمسك
بالجذور، والعودة إلى التراث القديم ونشره ودراسته، وحركة الإصلاح الديني
التي تزعمها جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ، والإحساس بأنه لا بد
أن تكون لنا لغة عربية معاصرة تصلح للتعبير عن حاجات العصر العلمية
والفنية ، ووضع المصطلحات وتكوين المعاجم الحديثة.
(2) الإرساليات الدينية التي كانت ترسلها الكنيسة بحكم تصاعد الرغبة في الاستعمار، فأنشأت المدارس الإنجيلية واليسوعية ، ثم تأسست مدارس للبنات،
واتسعت الفرصة بعدها لإنشاء الكليات العالية وكانت لغة التدريس في البداية
اللغة العربية، ولكن سرعان ما تحولت لغة الدراسة إلى اللغة الغربية لذلك
أصبحت هذه المدارس والكليات نافذة واسعة على الثقافة الغربية وقناة واسعة
من قنوات الاتصال بالغرب وعلومه ولغاته، ثم أصبحت هذه المدارس حافزا من
حوافز الرغبة في تأسيس المدارس الوطنية على غرارها، فأقتبسوا طريقتها في
التعليم، ، وأرسلوا البعثات من الطلبة للسفر إلى الغرب ، فنشطت حركة
الترجمة في ذلك الوقت لحاجة الطلبة والأساتذة إليها في الدراسة.
(3) الغزو العسكري، الذي كان على الرغم من آثاره السلبية إلا أنه كان له أثره في الاتصال بالحضارة الغربية وثقافتها ومنهجها العلمي.
(4) البعثات التعليمية، وكان أول من بدأها محمد علي باشا لتقوية جيشه، وتنفيذ خططه، فأرسل البعثات إلى فرنسا لدراسة الإدارة المدنية، والعسكرية، والبحرية، والسياسة ، والطب، والكيمياء والزراعة، والترجمة ، والميكانيكا، ...، وكان هدفه من خلال ذلك تقوية الجيش بالمختصين، واستثمار الأرض،وإنشاء الصناعة.
(5) استقدام الخبراء والمختصين من الغرب للاستفادة من خبراتهم ، وكان أول من بدأ ذلك محمد علي باشا ، وكان المترجمون يقفون وسطاء بين الأساتذة وبين الطلاب وهذا أدى إلى توثيق الاتصال بالفكر الغربي وعلومه ومناهجه.
(6) انتعاش حركة الترجمة التي لم تنظم إلا في عهد محمد علي، بعد عودة رفاعة الطهطاوي من فرنسا وتأسيسه لمدرسة الألسن عام 1835م ، فقد قامت حركة الترجمة على جميع أنواع المعارف والتخصصات، وقد بلغ عدد الكتب التي قام رفاعة بترجمتها هو وطلابه إلى ألفي كتاب.
الآثار الناتجة عن هذه العوامل:
1- نشر التراث القديم، لربط الأجيال فكريا ولغويا بماضيهم، لإنارة طريقهم إلى المستقبل ، وقد ساهمت مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي، ومطبعة الجوائب بالأستانة التي أنشأها أحمد فارس الشدياق ، ومطابع الجمعيات العامة في نشر أمهات كتب التراث في الشرق والغرب.
2- انتشار المطابع في المراكز العلمية الكبيرة: حلب وبيروت والقاهرة والأستانة.
3- ظهور الصحافة العربية، والتي لم تُعرف إلا في عهد محمد علي باشا الذي أنشأ الوقائع المصرية عام 1828م ثم توالت من بعدها الصحف منها: مرآة الأحوال في الأستانة، حديقة الأخبار في بيروت.... وغيرها
وأعانت هذه الحركة
على نشأة نثر صحفي متحرر من القيود واللهجة والركالة، لا يحمل غير هم
المضمون، ويؤديه في دقة وبساطة ووضوح، مع الحرص على سلامة العبارة
ورشاقتها، وظهر صحافيون ذووا أساليب متميزة في الكتابة ،ثم توالت الصحف
التي ما يزال بعضها حيّا إلى اليوم، منها الأهرام، المؤيد ، المقطم، وتأسست مجلات كبيرة مثل الهلال، والمقتطف على أيدي السوريين، ثم ظهرت المجلات المتخصصة بتوعية المرأة والمجلات الحقوقية والقضائية والطبية.
4- ظهور الجمعيات والأندية الأدبية والعلمية والفنية، والتي كانت مقدمة لظهور الجمعيات والمنتديات السياسية من بعد، وقد تأسست في بيروت في حوالي منتصف القرن التاسع عشر الجمعية السورية التي كان من أعضائها المعلم بطرس البستاني وناصيف اليازجي، ثم الجمعية العلمية ،ثم جمعية زهرة الآداب، ثم الجمعيات النسوية لترقية المرأة ،والجمعيات الخيرية، ثم الجمعيات المتخصصة للتمثيل، ثم تعددت الجمعيات وانتشرت في بعض البلاد من بعد.
5- انتشار المكتبات العامة والخاصة في مصر والشاموأقطار الوطن العربي الأخرى، ومن أشهرها: دار الكتب المصرية بالقاهرة، والمكتبة الأزهرية بالقاهرة، المكتبة الظاهرية بدمشق، مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب،المكتبة الخالدية بالقدس،مكتبة الكاظمية وكربلاء والنجف ببغداد،مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة،مكتبة الجزائر الأهلية، المكتبة الصادقية بتونس.
6- نشأة المسرح العربي ، وقد كان لمارون النقاش فضل اقتباسه في بيروت من إيطاليا، وقد مثّل مع أصدقائه في بيته ببيروت مسرحية البخيل،ثم عصر هارون الرشيد، ثم انتقلت الحركة المسرحية إلى مصر، ثم أنشأت دار الأوبرا التي مثلت فيها مسرحية عايدة، ثم انتعشت الحركة المسرحية وظهرت الفرق المسرحية المتعددة.
رواد النثر الحديث
(1) أديب اسحق
ولد ببيروت، ونشأ بين ربوعها، ثم ذهب
إلى القاهرة، وأقام فيها، وتتلمذ على يد جمال الدين الأفغاني، فاستقى منه
الكثير، تعلم اللغة الفرنسية ، وبدأ في ترجمة المؤلفات الفرنسية ونقلها
إلى اللغة العربية وبخاص في مجالي القصة والمسرحية.
بدأ حياته الأدبية محررا بجريدة
التقدم ببيروت، ثم انتقلت الجريدة إلى مصر ونالت شهرة عالية، وقد كانت
كتاباته في البداية مسجوعة، ولكن سجعه كان ذا لون خاص، إذ كان يعمد إلى
الخيال، ويُكسب مقالاته عاطفة وطنية جياشة قوية، ويدعم كلماته باقتباسات
من القرآن الكريم.
نموذج من نثره المسجوع:
( ما ضر زعماء هذه
الأمة لو سارت بينهم الرسائل بتعيين الوسائل، ثم حشدوا إلى ما كان
يتذاكرون فيه ويتحاورون، ثم ينادون بأصوات متفقة المقاصد كأنها من فم
واحد: قد جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، فذرت حقوقنا فصارت هباء منثورا،
ولمت بنا القارعة ووقعت الواقعة فصرنا كأن لم نغن بالأمس، ولم نكن شيئا
مذكورا...)
أعماله:
1- إصدار جريدة مصر.
2- إصدار جريدة التجارة.
3- إصدار جريدة القاهرة.
4- ترجمة القصص والمسرحيات عن اللغة الفرنسية.
سماته الأسلوبية:
1- الجمل القصيرة.
2- تخير الكلمات بدقة وعناية.
3- السجع غير المتكلف.( وإن كانت بعض مقالاته لا تخلو من السجع المتكلف).
4- الاقتباس من القرآن الكريم.
5- الإكثار من الترادفات اللفظية.
6- استخدام الخيال من محسنات واستعارات وجناس.
أثر أديب اسحق في النثر العربي؟
1- أثرى النثر العربي بمقومات الأسلوب الأدبي.
2- أدخل الأسلوب الخطابي في الكتابة.
3- التنوع والمزاوجة في الكلمات ذات الجرس الموسيقي التي تجتذب الأذهان.
4- أثرى الأسلوب الأدبي بألوان من الخيال والأمثال.
5- دعوته إلى التخلص من السجع والتمسك بالنثر المرسل .
6- الخروج بالأدب عن الذاتية إلى الموضوعية.
7- الاهتمام بالفكرة إلى جانب العبارة.
8- وضع أصولا وقواعد للمقالة الأدبية.
مراجع:
1- نشأة النثر الحديث وتطوره عمر الدسوقي
2- تعريف بالنثر العربي الحديث عبد الكريم الدسوقي
3- أدب المقالة الصحفية عبد اللطيف حمزة.
4 ـ رواد النهضة الحديثة مارون عبود.
5- بناة النهضة العربية جو رجي زيدان .
(2) الشيخ محمد عبده
مولده ونشأته:
نشأ في قرية ( محلة نصر) إحدى قرى مديرية
البحيرة بالريف المصري، وكان أبوه صاحب مكانة ملحوظة في القرية، وبعد
إتمامه للقرآن الكريم أرسله والده إلى طنطا لاستكمال تعليمه، فعجز عن
استيعاب العلوم والمعارف نظرا لأسلوب التدريس القديم، ولكن أبيه أصر على
تعليمه مما أدى به إلى هروبه إلى خاله الذي أثر كثيرا في حياته، فزرع
الزهد والتقوى في قلب محمد عبده وحبب إليه دراسة الدين، وتحول الشيخ محمد
عبده إلى الأزهر فدرس النحو والفقه والتفسير، ولما كانت طريقة التدريس
بالأزهر تقليدية فلم يلم آنذاك بالعلوم والمعارف الحديثة، ولكن خاله لفت
أنظاره إلى أهمية هذه العلوم والمعارف .
وقد التقى بجمال الدين الأفغاني ووضعا معا
أسس الإصلاح الديني في العالم الإسلامي كله.وكل ما كان يشغلهما من خلال
دعوتهما للإصلاح هو يقظة العالم الإسلامي على مواجهة الغرب الذي يرغب في
الاستيلاء على مصادر الثروات الطبيعية والبشرية في ديار الإسلام الممزقة
التي يحكمها الجهل.
لذلك قاما بتوجيه دعوتهما إلى العقل المسلم ينفيان عنه الخرافة والتواكل والدروشة ، ويحررانه من عبودية الشكليات.
مواقفه السياسية:
انضم الشيخ محمد عبده في صفوف المعارضة
للمطالبة بالحريات الدستورية وكان ذلك في عهد الخديو إسماعيل، وما لبث أن
خُلع إسماعيل وتولى ابنه الخديو توفيق الذي شعر بخطر الرجلين، فقام بعزل
جمال الدين الأفغاني إلى باريس، واشتدت معارضة محمد عبده للخديو الجديد ،
ثم ضد الاحتلال الإنجليزي ، فنُفي إلى بيروت، واستدعاه جمال الدين
الأفغاني إلى باريس ، وأسسا معا جمعية العروة الوثقى، وكانت ذات صبغة
سياسية ، ثم أصدرا معا جريدة العروة الوثقى عام 1884م وقد كان لهذه
الجريدة أثر كبير في العالم الإسلامي ولكن لم يصدر منها سوى ثمانية عشر
عددا وافترقا الرجلان ثانية وعاد الشيخ محمد عبده إلى بيروت.ثم عفا عنه
الخديو فرجع إلى مصر.
مؤلفـاته:
رسالة التوحيد.
شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني.
نهج البلاغة.
الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية.
أعماله:
تحديث الأزهر الشريف.
إصلاح المحاكم الشرعية.
الرد على طعون هانوتو ورينان ضد الإسلام.
تفسير القرآن الكريم بعيدا عن التقليد، وبما يوافق روح العصر،ولكنه لم يتم العمل فيه، حيث وافته المنيّة.
لماذا يعد الشيخ محمد عبده من رواد النهضة في العصر الحديث؟
1- لاهتمامه باللغة وتحرير الكتابة من رق التقليد والصنعة ولفظياتها.
2- الاهتمام بالمعنى والبعد عن الزخارف اللغوية.
3- تأثيره البالغ الذي أحدثه فيمن عاصروه ومن جاءوا من بعده.
4- التوفيق بين الفكر الإسلامي وحضارة العصر ومناهجها العلمية.
5- اهتمامه بإصلاح التربية والتعليم .
6- تحرير العقول من الجهل والخرافات والأوهام، وملامسة قضايا العصر.
7- القدرة على تطويع الجماليات اللفظية القديمة بما يخدم الأساليب اللغوية.
لقد انطلق النثر على يد الشيخ محمد عبده انطلاقا متحررا نامية قدراته على استيعاب حقائق العصر في كل ميدان
مفهوم النثر العربي عند العرب القدامى
إن من يتصفح أهم كتب
النقد والبلاغة العربية يفاجأ بظاهرة غريبة وهي قلة عناية النقاد القدامى
بالنثر، في حين أنهم أمعنوا في بحث الشعر من جميع نواحيه تفصيلا وتدقيقا
على حد الإفراط أحيانا، فقد تحدثوا عن النثر لاباعتباره فنا قائما بذاته
بل تحدثوا عنه كجزء من البلاغة أو البيان حديثا يتسم بالإبهام خاليا من
التخصيص أو التحديد
ولعلمن
مظاهر هذا الإهمال أننا لا نجد تعريفا صحيحا للنثر قد استوفى ما يشترط في
كل تعريف صالح من دقة وإحاطة واستقصاء ، في حين أن الشعر قد حظي بتعريفاتلا بأس بها تتسم بالضبط والإحكام، أما النثر فـما ورد في حقه من تعريفات لا تتعدى التقسيم والتصنيف، فهو باعتبار الشكل ينقسم إلىخطب ورسائل، وباعتبار اللفظ يتفرع إلى نثر مرسل ومزدوج وسجع.
منأقوال الكتّاب القدامى حول النثر
•يقول ابن وهب: (واعلم أن الشعر أبلغ البلاغة...)
البرهان في وجوه البيان،ص350.
ويقول الكاتب المفكر مسكويه:
( فكذلك النظم والنثر يشتركان في الكلام الذي هو جنس لهما، ثم ينفصل النظم
عن النثر بفضل الوزن الذي به صار المنظوم منظوما. ولما كان الوزن حلية
زائدة وصور فاضلة على النثر صار الشعر أفضل من النثر من جهة الوزن. فإن
اعتبرت المعاني كانت المعاني مشتركة بين النظم والنثر. وليس من هذه الجهة
تميز أحدهما من الآخر...)
الهوامل والشوامل، ص 275
تعليــق:
هذه النظرة الجزئية للنثر كما رأيناها في
الأقوال السابقة تؤكد موقف النقاد القدامى السلبي من النثر فهي نظرة جزئية
انصرفت على الشكل دون اللُب، إلى الصورة دون الحقيقة والمعنى وهي التي
حالت دون التبلور التام لمفهوم النثر الفني عند القدامى.
حتى أن الكتّاب العرب من مفكرين وفلاسفة
وقصّاصين ونقاد كانوا يمارسون النثر الفني دون وعي واضح دقيق لمزيّة الفن
المتوفرة في كتاباتهم ودون أن يُعترف بفضلهم.
:
الجاحظوموقفه من النثر:
• يقول الجاحظ وقد نُقلت كتب
الهند،وتُرجمت حكم اليونانية، وحُولت آداب الفرس، فبعضها ازداد حسنا،
وبعضها ما انتقص شيئا؛ ولو حُوّلت حكمة العرب لم يجدوا في معانيها شيئا لم
تذكره العجم في كتبهم التي وضعت لمعاشهم وحكمهم،ولبطل ذلك المعجز، وقد
نقلت هذه الكتب من أمة إلى أمة ، ومن قرن إلى قرن، ومن لسان إلى لسان حتى
انتهت إلينا، وكنا آخر من ورثها ونظر فيها، فقد صح أن الكتب ( أي كتب
النثر) أبلغ في تقييد المآثر من الشعر.)
الحيوان، ج1، ص75
أبو حيان وموقفه من النثر:
•يقول أبو حيان : ( وأحسن الكلام ما رق لفظه ولطف معناه... وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم)
•ويقول أيضا: (
إذا نظر في النظم والنثر على استيعاب أحوالهما وشرائطهما .. كان أن
المنظوم فيه نثر من وجه، والمنثور فيه نظم من وجه، ولولا أنهما يستهمان
هذا النعت لما ائتلفا ولا اختلفا)
• أبو حيان يُعد أول من اهتدى إلى حقيقة النثر الفني وحلل مقوماته الجوهرية تحليلا يتصف ، على إيجازه، بالدقة والعمق.
كذلك بيّن أهمية كل من عنصري العقل
والموسيقى في النثر الفني، ومن رأي التوحيدي أن الشعر لا يختص وحده
بالموسيقى والخيال، بل هما قدر مشترك بين الشعر والنثر الفني ، والفرق بين
النوعين من الكلام نسبي أما الجوهر فواحد.
الإمتاع والمؤانسة ، ج2،ص145، ص135
إحياء النثـــــر
بلغ النثر في أخريات العصر العثماني
الغاية في الركاكة والضعف، فكانت عباراته سقيمة، مقيدة بقيود ثقيلة من
الحلي والزخارف المصطنعة المتكلفة، لتخفي ما وراءها من معنى مرذول، وفكرة
تافهة ضحلة، وكثيرا ما كانت تغلب العامية والكلمات التركية على كتابات
الكتاب، فيأتي الكلام أشبه بالرموز والأحاجي.
ومن كان من الكُتّاب على قدر يسير من
اللغة، نهج أسلوب المقامات في كتاباته فالتزم السجع في كل ما يصطنع من
كتابة، بل منهم من كان يتلاعب بالألفاظ والتحريف ، وقد أورد الجبرتي أمثلة
عديدة في كتابه ( عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، سنسوق منها نموذجين.
1- المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله الإدكاوي،الذي أهدى منها نسخة للشيخ عبد الله التلباني فرد عليه بما نصه:(عبد
الله عند الله وجيه، وحبه محتم مخيم بقلوبنا تعلو بنا سماته، سما به عمله
عم له التواب والثواب،ولا حرمنا ولاء حرمنا الأبهج الأنهج...)
ونحن نرى هنا هذا الطائل من الكلمات العبثية التي تؤكد ما وصلت إليه اللغة من الضعف والركاكة.
2- قال مصطفى الدمياطي: ( حكى البديع بشير بن سعيد قال: حدثني الربيع بن رشيد قال: هاجت
لي دواعي الأشواق العذرية، وعاجت بي لوا عج الأتواق الفكرية، على ورود حمى
مصر المعزية البديعة؛ ذات المشاهد الحسنة والمعاهد الرفيعة؛ لأشرح بمتن
حديثها الحسن صدري، وأروح بحواشي نيلها الجاري روحي وسري، وأقتبس نور
مصباح الطرف من ظرفائها؛ واقتطف نور أرواح الظرف من لطفائها، وأستجلي
عرائس بدائع معاني العلوم، على منصات الفكر محلاة بالمنثور والمنظوم،
واستمد من حماتها السادة أسرار العناية، واسترشد بسراتها القادة أنوار
الهداية...)
نلمح كلاما متكلفا مصنوعا، لا يفضي إلى غاية ولا ينبئ عن فكرة سليمة وإنما هو لإظهار البراعة في اقتناص السجعات، وإيراد المحسنات.
ومن الذين اشتهروا بالأدب في دمشق قبيل النهضة محمد خليل الدمشقي يقول في رسالة كتبها إلى صديق له بمصر:
(أهدي
السلام العاطر الذي هو كنفح الروض باكره السحاب الماطر، والتحايا المتأرجة
النفحات الساطعة اللمحات، الشامخة الشميم، الناشئة من خالص صميم، وأبدي
الشوق الكامن وأبثه، وأسوق ركب الغرام وأحثه، إلى الحضرة التي هي مهب
نسائم العرفان والتحقيق، ومصب مزن الإتقان والتدقيق. ومطلع شمس الإفادة
والتحرير، ومنبع مياه البلاغة والتقرير...)
وإذا كانت لهذه العبارات قوة بعض الشيء ، إلا أننا نجد فيها تقليد وافتعال وتكلف ، والمعنى ضحلا سخيفا.
وقد نرى بعض الكتاب يجاهدون مجاهدة مريرة للتخلص من السجع وقيود البديع مثل:
عبد الرحمن الجبرتي ،
ولكنه أيضا لا يستطيع التخلص من بعض العبارات الممزوجة من العربية
والتركية ، فإن سلمت له بعض العبارات ، نرى البعض الآخر منها يتعثر .
من ذلك على سبيل المثال:
قال مشيدا بما قام به علي بك الكبير من منشآت:
( ومن
إنشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطئ النيل ببولاق حيث دكّك
الحطب تحت ربع الخرنوب، وهي عبارة عن قيسارية عظيمة ببابين يسلك منها ما
يجري إلى قبلي وبالعكس، وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه
حوانيت وشونة غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط ، فحفروا أساس جميع هذه
المارة حتى بلغوا الماء، ثم بنوا خنازير مثل المنارات من الأحجار والدبش
والمؤن، وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الأرض الصحيحة)
هذا ما وصلت إليه اللغة والكتابة في أخريات العصر العثماني وبداية العصر الحديث:
1- تهافت في العبارة.
2- ركاكة في الأسلوب.
3- استعجام في الألفاظ.
4- عامية فاشية.
5- ضحالة في المعاني.
6- قيود ثقيلة من السجع والمحسنات البديعية.
ومن هنا يتضح لنا أن الشوط الذي قطعته
الكتابة منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى اليوم ، لم يكن سهلا هينا،
والتخلص من العقبات في الكتابة واللغة لم يكن ميسرا .
عصر النهضــة
يعتبر مطلع القرن التاسع عشر
بداية عصر النهضة كما هو متعارف عليه تاريخيا، ذلك أن الاحتكاك بالحضارة
الغربية بدا في هذا الوقت حادا متميزا ، أسفر هذا الاحتكاك عن انتشار
مدارس الإرساليات الدينية التي أمّت سواحل الشام ومدنه، وانتشرت في قرى
جبل لبنان، وتنافست في اجتذاب الناس إليها بشتّى الطرق، وفي تلك الأثناء
كانت الحملة الفرنسية على مصر قد انتهت في السنة الأولى من القرن التاسع
عشر بجلائها ، وعلى الرغم من قصر المدة التي أقامتها الحملة الفرنسية ،
وعلى الرغم من آثارها السلبية على البلاد إلا أنها كان لها وجها حضاريا لا
يُنكر تمثّل في منجزات كثيرة نجد صورتها في الكتب التي أرّخت لها ، منها
على سبيل المثال كتاب:عجائب الآثار في التراجم والأخبار " للجبرتي".
وما نود الإشارة
إليه أنه كانت هناك أسباب كثيرة كان لها أثرها في النهضة واليقظة، ولكن
كلها تتفرع عن هذا الأصل ، وهو الاتصال بالحضارة الغربية وثقافتها
ومؤسساتها .
ولنتتبع معا هذه العوامل الأساسية الفاعلة في النهضة:
(1) أسفر الاتصال بالحضارة الغربية عن ردود أفعال منها ، التمسك
بالجذور، والعودة إلى التراث القديم ونشره ودراسته، وحركة الإصلاح الديني
التي تزعمها جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ، والإحساس بأنه لا بد
أن تكون لنا لغة عربية معاصرة تصلح للتعبير عن حاجات العصر العلمية
والفنية ، ووضع المصطلحات وتكوين المعاجم الحديثة.
(2) الإرساليات الدينية التي كانت ترسلها الكنيسة بحكم تصاعد الرغبة في الاستعمار، فأنشأت المدارس الإنجيلية واليسوعية ، ثم تأسست مدارس للبنات،
واتسعت الفرصة بعدها لإنشاء الكليات العالية وكانت لغة التدريس في البداية
اللغة العربية، ولكن سرعان ما تحولت لغة الدراسة إلى اللغة الغربية لذلك
أصبحت هذه المدارس والكليات نافذة واسعة على الثقافة الغربية وقناة واسعة
من قنوات الاتصال بالغرب وعلومه ولغاته، ثم أصبحت هذه المدارس حافزا من
حوافز الرغبة في تأسيس المدارس الوطنية على غرارها، فأقتبسوا طريقتها في
التعليم، ، وأرسلوا البعثات من الطلبة للسفر إلى الغرب ، فنشطت حركة
الترجمة في ذلك الوقت لحاجة الطلبة والأساتذة إليها في الدراسة.
(3) الغزو العسكري، الذي كان على الرغم من آثاره السلبية إلا أنه كان له أثره في الاتصال بالحضارة الغربية وثقافتها ومنهجها العلمي.
(4) البعثات التعليمية، وكان أول من بدأها محمد علي باشا لتقوية جيشه، وتنفيذ خططه، فأرسل البعثات إلى فرنسا لدراسة الإدارة المدنية، والعسكرية، والبحرية، والسياسة ، والطب، والكيمياء والزراعة، والترجمة ، والميكانيكا، ...، وكان هدفه من خلال ذلك تقوية الجيش بالمختصين، واستثمار الأرض،وإنشاء الصناعة.
(5) استقدام الخبراء والمختصين من الغرب للاستفادة من خبراتهم ، وكان أول من بدأ ذلك محمد علي باشا ، وكان المترجمون يقفون وسطاء بين الأساتذة وبين الطلاب وهذا أدى إلى توثيق الاتصال بالفكر الغربي وعلومه ومناهجه.
(6) انتعاش حركة الترجمة التي لم تنظم إلا في عهد محمد علي، بعد عودة رفاعة الطهطاوي من فرنسا وتأسيسه لمدرسة الألسن عام 1835م ، فقد قامت حركة الترجمة على جميع أنواع المعارف والتخصصات، وقد بلغ عدد الكتب التي قام رفاعة بترجمتها هو وطلابه إلى ألفي كتاب.
الآثار الناتجة عن هذه العوامل:
1- نشر التراث القديم، لربط الأجيال فكريا ولغويا بماضيهم، لإنارة طريقهم إلى المستقبل ، وقد ساهمت مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي، ومطبعة الجوائب بالأستانة التي أنشأها أحمد فارس الشدياق ، ومطابع الجمعيات العامة في نشر أمهات كتب التراث في الشرق والغرب.
2- انتشار المطابع في المراكز العلمية الكبيرة: حلب وبيروت والقاهرة والأستانة.
3- ظهور الصحافة العربية، والتي لم تُعرف إلا في عهد محمد علي باشا الذي أنشأ الوقائع المصرية عام 1828م ثم توالت من بعدها الصحف منها: مرآة الأحوال في الأستانة، حديقة الأخبار في بيروت.... وغيرها
وأعانت هذه الحركة
على نشأة نثر صحفي متحرر من القيود واللهجة والركالة، لا يحمل غير هم
المضمون، ويؤديه في دقة وبساطة ووضوح، مع الحرص على سلامة العبارة
ورشاقتها، وظهر صحافيون ذووا أساليب متميزة في الكتابة ،ثم توالت الصحف
التي ما يزال بعضها حيّا إلى اليوم، منها الأهرام، المؤيد ، المقطم، وتأسست مجلات كبيرة مثل الهلال، والمقتطف على أيدي السوريين، ثم ظهرت المجلات المتخصصة بتوعية المرأة والمجلات الحقوقية والقضائية والطبية.
4- ظهور الجمعيات والأندية الأدبية والعلمية والفنية، والتي كانت مقدمة لظهور الجمعيات والمنتديات السياسية من بعد، وقد تأسست في بيروت في حوالي منتصف القرن التاسع عشر الجمعية السورية التي كان من أعضائها المعلم بطرس البستاني وناصيف اليازجي، ثم الجمعية العلمية ،ثم جمعية زهرة الآداب، ثم الجمعيات النسوية لترقية المرأة ،والجمعيات الخيرية، ثم الجمعيات المتخصصة للتمثيل، ثم تعددت الجمعيات وانتشرت في بعض البلاد من بعد.
5- انتشار المكتبات العامة والخاصة في مصر والشاموأقطار الوطن العربي الأخرى، ومن أشهرها: دار الكتب المصرية بالقاهرة، والمكتبة الأزهرية بالقاهرة، المكتبة الظاهرية بدمشق، مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب،المكتبة الخالدية بالقدس،مكتبة الكاظمية وكربلاء والنجف ببغداد،مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة،مكتبة الجزائر الأهلية، المكتبة الصادقية بتونس.
6- نشأة المسرح العربي ، وقد كان لمارون النقاش فضل اقتباسه في بيروت من إيطاليا، وقد مثّل مع أصدقائه في بيته ببيروت مسرحية البخيل،ثم عصر هارون الرشيد، ثم انتقلت الحركة المسرحية إلى مصر، ثم أنشأت دار الأوبرا التي مثلت فيها مسرحية عايدة، ثم انتعشت الحركة المسرحية وظهرت الفرق المسرحية المتعددة.
رواد النثر الحديث
(1) أديب اسحق
ولد ببيروت، ونشأ بين ربوعها، ثم ذهب
إلى القاهرة، وأقام فيها، وتتلمذ على يد جمال الدين الأفغاني، فاستقى منه
الكثير، تعلم اللغة الفرنسية ، وبدأ في ترجمة المؤلفات الفرنسية ونقلها
إلى اللغة العربية وبخاص في مجالي القصة والمسرحية.
بدأ حياته الأدبية محررا بجريدة
التقدم ببيروت، ثم انتقلت الجريدة إلى مصر ونالت شهرة عالية، وقد كانت
كتاباته في البداية مسجوعة، ولكن سجعه كان ذا لون خاص، إذ كان يعمد إلى
الخيال، ويُكسب مقالاته عاطفة وطنية جياشة قوية، ويدعم كلماته باقتباسات
من القرآن الكريم.
نموذج من نثره المسجوع:
( ما ضر زعماء هذه
الأمة لو سارت بينهم الرسائل بتعيين الوسائل، ثم حشدوا إلى ما كان
يتذاكرون فيه ويتحاورون، ثم ينادون بأصوات متفقة المقاصد كأنها من فم
واحد: قد جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، فذرت حقوقنا فصارت هباء منثورا،
ولمت بنا القارعة ووقعت الواقعة فصرنا كأن لم نغن بالأمس، ولم نكن شيئا
مذكورا...)
أعماله:
1- إصدار جريدة مصر.
2- إصدار جريدة التجارة.
3- إصدار جريدة القاهرة.
4- ترجمة القصص والمسرحيات عن اللغة الفرنسية.
سماته الأسلوبية:
1- الجمل القصيرة.
2- تخير الكلمات بدقة وعناية.
3- السجع غير المتكلف.( وإن كانت بعض مقالاته لا تخلو من السجع المتكلف).
4- الاقتباس من القرآن الكريم.
5- الإكثار من الترادفات اللفظية.
6- استخدام الخيال من محسنات واستعارات وجناس.
أثر أديب اسحق في النثر العربي؟
1- أثرى النثر العربي بمقومات الأسلوب الأدبي.
2- أدخل الأسلوب الخطابي في الكتابة.
3- التنوع والمزاوجة في الكلمات ذات الجرس الموسيقي التي تجتذب الأذهان.
4- أثرى الأسلوب الأدبي بألوان من الخيال والأمثال.
5- دعوته إلى التخلص من السجع والتمسك بالنثر المرسل .
6- الخروج بالأدب عن الذاتية إلى الموضوعية.
7- الاهتمام بالفكرة إلى جانب العبارة.
8- وضع أصولا وقواعد للمقالة الأدبية.
مراجع:
1- نشأة النثر الحديث وتطوره عمر الدسوقي
2- تعريف بالنثر العربي الحديث عبد الكريم الدسوقي
3- أدب المقالة الصحفية عبد اللطيف حمزة.
4 ـ رواد النهضة الحديثة مارون عبود.
5- بناة النهضة العربية جو رجي زيدان .
(2) الشيخ محمد عبده
مولده ونشأته:
نشأ في قرية ( محلة نصر) إحدى قرى مديرية
البحيرة بالريف المصري، وكان أبوه صاحب مكانة ملحوظة في القرية، وبعد
إتمامه للقرآن الكريم أرسله والده إلى طنطا لاستكمال تعليمه، فعجز عن
استيعاب العلوم والمعارف نظرا لأسلوب التدريس القديم، ولكن أبيه أصر على
تعليمه مما أدى به إلى هروبه إلى خاله الذي أثر كثيرا في حياته، فزرع
الزهد والتقوى في قلب محمد عبده وحبب إليه دراسة الدين، وتحول الشيخ محمد
عبده إلى الأزهر فدرس النحو والفقه والتفسير، ولما كانت طريقة التدريس
بالأزهر تقليدية فلم يلم آنذاك بالعلوم والمعارف الحديثة، ولكن خاله لفت
أنظاره إلى أهمية هذه العلوم والمعارف .
وقد التقى بجمال الدين الأفغاني ووضعا معا
أسس الإصلاح الديني في العالم الإسلامي كله.وكل ما كان يشغلهما من خلال
دعوتهما للإصلاح هو يقظة العالم الإسلامي على مواجهة الغرب الذي يرغب في
الاستيلاء على مصادر الثروات الطبيعية والبشرية في ديار الإسلام الممزقة
التي يحكمها الجهل.
لذلك قاما بتوجيه دعوتهما إلى العقل المسلم ينفيان عنه الخرافة والتواكل والدروشة ، ويحررانه من عبودية الشكليات.
مواقفه السياسية:
انضم الشيخ محمد عبده في صفوف المعارضة
للمطالبة بالحريات الدستورية وكان ذلك في عهد الخديو إسماعيل، وما لبث أن
خُلع إسماعيل وتولى ابنه الخديو توفيق الذي شعر بخطر الرجلين، فقام بعزل
جمال الدين الأفغاني إلى باريس، واشتدت معارضة محمد عبده للخديو الجديد ،
ثم ضد الاحتلال الإنجليزي ، فنُفي إلى بيروت، واستدعاه جمال الدين
الأفغاني إلى باريس ، وأسسا معا جمعية العروة الوثقى، وكانت ذات صبغة
سياسية ، ثم أصدرا معا جريدة العروة الوثقى عام 1884م وقد كان لهذه
الجريدة أثر كبير في العالم الإسلامي ولكن لم يصدر منها سوى ثمانية عشر
عددا وافترقا الرجلان ثانية وعاد الشيخ محمد عبده إلى بيروت.ثم عفا عنه
الخديو فرجع إلى مصر.
مؤلفـاته:
رسالة التوحيد.
شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني.
نهج البلاغة.
الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية.
أعماله:
تحديث الأزهر الشريف.
إصلاح المحاكم الشرعية.
الرد على طعون هانوتو ورينان ضد الإسلام.
تفسير القرآن الكريم بعيدا عن التقليد، وبما يوافق روح العصر،ولكنه لم يتم العمل فيه، حيث وافته المنيّة.
لماذا يعد الشيخ محمد عبده من رواد النهضة في العصر الحديث؟
1- لاهتمامه باللغة وتحرير الكتابة من رق التقليد والصنعة ولفظياتها.
2- الاهتمام بالمعنى والبعد عن الزخارف اللغوية.
3- تأثيره البالغ الذي أحدثه فيمن عاصروه ومن جاءوا من بعده.
4- التوفيق بين الفكر الإسلامي وحضارة العصر ومناهجها العلمية.
5- اهتمامه بإصلاح التربية والتعليم .
6- تحرير العقول من الجهل والخرافات والأوهام، وملامسة قضايا العصر.
7- القدرة على تطويع الجماليات اللفظية القديمة بما يخدم الأساليب اللغوية.
لقد انطلق النثر على يد الشيخ محمد عبده انطلاقا متحررا نامية قدراته على استيعاب حقائق العصر في كل ميدان
.